close menu

ماسح الأحذية الذي أصبح كنزاً.. شريط ذكريات بيليه في قسم "نهاية الحياة"

 ماسح الأحذية الذي أصبح كنزاً.. شريط ذكريات بيليه في قسم "نهاية الحياة"
المصدر:
أخبار 24

عندما تسأل عن أعظم لاعب في تاريخ كرة القدم.. تلك اللعبة صاحبة الشعبية الجارفة في كل أنحاء الكرة الأرضية، بالتأكيد سيتم عقد المقارنات بين أسماء بعينها لكن من الثوابت فيها اسم "بيليه" كأنه حقيقة لا تقبل التشكيك أو المناقشة والأغرب من ذلك أن مسيرة الأسطورة نفسها تمتزج فيها الأساطير بالحقائق، وتدور التساؤلات هل سجل أكثر من ألف هدف فعلاً؟ هل أوقف حرباً في قارة إفريقيا بقدميه حقًا؟!.. أين الحقيقة وراء كل هذه الحكايات والنوادر؟

على مدار عقود مضت، أصبح توثيق مسيرة "بيليه" شغلاً شاغلاً للعشرات بل المئات حول العالم لكن ما لا يحتاج لأي مجهود لإدراكه أو إثباته بأن "إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو" المسمى تيمنًا بالعالم الأمريكي توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي، هو أيضًا أحد مخترعي السحر والمتعة في عالم كرة القدم.

بيليه

وضع صحي مقلق

الآن يترقب كل عشاق كرة القدم التقارير والأنباء الواردة حول الحالة الصحية للنجم البرازيلي صاحب الـ 82 عامًا، بعدما أشارت تقارير صحفية بأن بيليه بعد دخوله إلى المستشفى منذ أيام أصبح جسده لا يستجيب للعلاج الكيميائي لمحاربة السرطان.

ووفقًا لموقع "فولها دي ساو باولو" البرازيلي، فإنه تم نقل أسطورة القدم البرازيلية لقسم الرعاية التلطيفية لتخفيف الألم، وهذا القسم يتواجد فيه المرضى الذين يعانون من أمراض أو حالات مميتة.. والسؤال الذي خطر على بال عشاق كرة القدم هل اقتربت نهاية الرحلة، ومتى أصاب المرض جسد الجوهرة السمراء؟.

بيليه

وعلى مدار السنوات الماضية، عانى بيليه من سلسلة من المشاكل الصحية، منها مشاكل وألم متكرر في الفخذ بعد جراحة خضع لها وبات لا يستطيع المشي دون مساعدة، لكن ما أدى لتدهور الوضع شيئًا فشيئًا إصابة بطل العالم السابق بورم في القولون، واحتاج للخضوع على إثره لجراحة لاستئصاله في سبتمبر 2021، ومنذ ذلك الحين بات يدخل ويخرج من المستشفى لتلقي العلاج بشكل منتظم، إضافة إلى ذلك طاردته شائعات الوفاة واحتاج بنفسه للخروج عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أجل نفيها والتأكيد أنه يتمتع بصحة جيدة.

بيليه ومخترع المصباح الكهربائي

ما يلفت الأنظار أنه في كل تقرير صحفي عن الحالة الصحية لـ"بيليه" لابد من التأكيد على فكرة أنه من أفضل اللاعبين في تاريخ كرة القدم، بخلاف ذكر نقطتين هما اختياره من قبل اللجنة الأولمبية الدولية كأحد أفضل رياضيي القرن العشرين، وبعدها بعام كأفضل لاعب في القرن نفسه من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).. والسؤال هنا كيف كانت مسيرة هذا الرجل ليستحوذ على هذا الكم من الاهتمام العالمي؟

بيليه

ولد إدسون_كما اعتاد والداه مناداته_ في 23 أكتوبر 1940 بمدينة تريس كاراكوس البرازيلية لأسرة فقيرة، لكنها كانت عاشقة لكرة القدم خصوصاً اللاعب الذي كان لاعباً في أندية محلية لكن إصابته أضاعت حلمه في أن يصبح لاعبًا ذا شأن، إضافة إلى ذلك باتت حياته مأساوية عندما رفض ناديه دفع تكاليف علاجه مما زاد من الوضع المأساوي للأسرة، واضطر إيدسون الصغير للخروج للعمل كـ"ماسح أحذية" أمام الاستادات في المساء، وفي الصباح يذهب إلى المدرسة لتلقي تعليمه.

الظروف الصعبة لـ"إدسون" لم تمنعه عن عشق كرة القدم، حتى جاء الليلة التي غيرت حياته ففي نسخة مونديال 1950، رأى الطفل الصغير والده يبكي بجوار المذياع بسبب خسارة المنتخب البرازيلي لكأس العالم أمام الأوروجواي في المباراة النهائية، ولم يملك وقتها سوى أن يواسي والده قائلاً :"لا تبكِ يا أبي، سأجلب كأس العالم للبرازيل من أجلك"، ووقتها لم يتخيل أحد أن هذا الوعد سيغير خريطة الكرة البرازيلية تمامًا وليس هذا فحسب، بل إن اسم البرازيل نفسه سيجوب أرجاء العالم كله بفضل هذا الفتى الصغير.

ماسح الأحذية نحو المجد

المفارقة أن الصغير إيدسون كان يكره اسم "بيليه" خصوصاً أنه كان عرضة للتنمر بسببه، لاسيما أنه أخطأ في نطق اسم أحد اللاعبين الذي كان يسمى بيلي، ورغم رفضه للاسم هذا، لكنه بات يطلق عليه في كل مكان يلعب فيه سواء في الصالات الرياضية أو مسابقات الشوارع.

بيليه

انتشار اسم "بيليه" جعله موضع نظر مكتشفي النجوم، وبالفعل انضم إلى قطاع الناشئين في نادي باورو، وتمكن من التألق مع هذا الفريق وأحرز أكثر من 100 هدف في 33 مباراة، مما جعله محط أنظار العملاق البرازيلي "سانتوس"، وبالفعل انتقل إليه في يونيو 1956، وهناك برزت موهبة الفذة، وشارك مع الفريق الأول وأحرز هدفه الأول في مسيرته الكروية في 7 سبتمبر 1956، ومن بعدها انطلق في مسيرة كروية ربما لم يشهد كرة القدم مثلها حتى الآن من وجهة نظر البعض.

ارتدى بيليه قميص المنتخب البرازيلي قبل أن يبلغ السابعة عشرة من عمره، ولم يكتفِ بشرف الانضمام إلى القائمة الدولية بل وضع بصمته منذ اللقاء الأول له بعدما سجل هدفاً في منتخب الأرجنتين في أول مباراة دولية في مسيرته؛ وبالتالي الطريق أصبح ممهدًا للانضمام إلى المنتخب في نهائيات كأس العالم السويد عام 1958، وهناك أثبت أن العالم على موعد مع أسطورة للعبة وليس مجرد لاعب جيد أو موهوب بعدما سجل 6 أهداف في البطولة، وفي المباراة النهائية وحدها سجل هدفين في شباك السويد ليصبح أصغر من يشارك ويسجل في المباراة النهائية على مدار التاريخ.

وعاد بيليه إلى الديار حاملاً كأس العالم الأول في تاريخ البرازيل، معلنًا الوفاء بوعده لوالده الذي بكى بعد خسارة نهائي نسخة 1950، لكنه لم يعتبر ما فعله كافيًا، وشارك بعدها في ثلاث نسخ من كأس العالم نجح في إحراز لقب بطولتين منها هما تشيلي 1962 والمكسيك 1970، ليصبح اللاعب الوحيد الفائز بالمونديال 3 مرات في إنجاز يصعب تكراره.

بيليه

 كنز البرازيل الوطني

وبشكل عام شارك بيليه في 92 مباراة مع منتخب البرازيل سجل خلالهم 77 هدفاً، بينما على صعيد الأندية فتلك حكاية أخرى فقد لعب بيليه في الغالبية العظمى من مسيرته بداية من عام 1956 حتى عام 1974 مع نادي سانتوس وحقق معه عدة إنجازات أولها الفوز ببطولة الدوري "باوليستا" عام 1958 وحصد لقب الهداف برصيد 58 هدفاً، ولا يزال هذا الرقم استثنائىًا لم يصل له أحد، كما حصد لقب كأس ليبرتادوريس على مستوى فرق أمريكا الجنوبية عام 1962، وكأس الإنتركونتيننتال في نفس العام.
بيليه

ووفقاً للسجلات الرسمية فإن أهداف بيليه لصالح نادي سانتوس وصلت إلى 643 هدفاً في 656 مباراة محلية ودولية وودية، لكن مع كل هذا التألق ألم يكن متاحًا للنجم البرازيلي اللعب في أوروبا للعمالقة أمثال إنتر ميلان الإيطالي وريال مدريد الإسباني ومانشيستر يونايتد الإنجليزي إلا أن الحقيقة أن هذا الأمر كان أشبه بالمستحيل في ظل تمسك الجماهير به بشكل جنوني خاصة أن أصبح رمزًا للبلاد لدرجة أنه في عام 1961، أعلنت الحكومة البرازيلية أن بيليه "كنز وطني رسمي"؛ لتضع حدًا لأي محاولة من أجل توقيع لنادٍ خارج البرازيل.

بيليه

النجاح لا يأتي صدفة

وبعد 14 عامًا تقريبًا لاحت فرصة اللعب خارج البلاد للنجم البرازيلي عبر بوابة نادي نيويورك كورزموس بالولايات المتحدة الأمريكية، ورغم أن كرة القدم ليست اللعبة الشعبية الأولى في أمريكا لكن وجود بيليه كان عاملاً لصنع الفارق وزادت جماهيرية اللعبة كلها هناك، وسجل بيليه مع الفرقة الأمريكية 64 هدفاً في 107 مبارايات، وذلك قبل أن يقرر اعتزال اللعب نهائيًا في 1 أكتوبر 1977.

ورغم اعتزال بيليه منذ عقود من الزمن إلا أنه لا يزال رمزًا لكرة القدم عمومًا، وليس في البرازيل فقط، وتتأكد مقولته الأشهر أن النجاح ليس من قبيل الصدفة بل بالعمل الجاد والمثابرة والتضحية.

 

أضف تعليقك
paper icon